2011 / 2 / 12
لقد كتب لي الاستاذ (إسلام أحمد) من مصر ويقول :
« قد كتبتَ عن تونس وما حل بها من تغييرات. فما نصيبُ مصر -وما أدراك ما مصر التي صنع شبابُها ثم شعبُها خلفه ما أذهل العالم كله الآن من- كتاباتِكم؟ أتمنى أن يكون لها نصيب من كتاباتكم، فمصر يعرف الناس مكانتها وقدرها، وقد كادت أن تنسى في ظل الفاسد الساقط العشوائي الذي كان يسمى نظاما في مصر من قبل. وعذرا لانفعالي الشديد في الكتابة لكنه الحس المصري ».
صديقي العزيز !
أجزل الشكر لرسالتكم الإلكترونية ولهذه المشاعر إزائي و انتقادكم لموقفي إزاء انتفاضتكم الرائعة. لقد قمت يا عزيزي بنشر موضوع تحت عنوان : « الموجة اللاحقة : إسرائيل، السعودية، الصين، وقناة السويس »، ونظرًا لعظمة الانتفاضة المصرية فلقد قلت صراحة : أدت الانتفاضة في مصر مباشرة إلى تهديد مصالح الرأسمالية العالمية ومن ضمنها الطبقات الحاكمة في إسرائيل، وأمريكا. وسوف يتحول العالم إلى بؤرة ثورية تتصارع فيها الطبقات مع السلطات الغاشمة لأجل مستقبلها، فالنقطة الحاسمة في التاريخ العالمي يتوقف الآن على نتائج أعظم حدث في التاريخ الحديث، وهو الانتفاضة المصرية التي بمستطاعها اهتزاز الأسواق الدولية وتحول الأزمة العالمية إلى كارثة اقتصادية بالنسبة للرأسمالية العالمية.
فحسب تصوراتنا أيها الأعزاء، فإن الانتفاضة المصرية هي تكميل للانتفاضة التونسية بجماهيريتها، ونقطة أعلى منها بضربها لمصالح الرأسمالية العالمية، فلا أوروبا ولا أمريكا ولا إسرائيل عبرت عن قلقها بصدد الانتفاضة التونسية بقدر قلقها بصدد الانتفاضة المصرية؛ لأن مصر بجماهيريتها وموقعها الجغرافي تستطيع جر العالم العربي وراء ثورتها، وتستطيع أيضا شَلَّ الاقتصاد الرأسمالي العالمي، فالانتفاضة المصرية هي التي تقرر الآن التقدم أو الانكماش في الشرق بالنسبة لثورة طبقتنا -طبقة الفقراء- في العالم أجمع.
إن الانتفاضة المصرية سوفَ تصبحُ أعظمَ مدرسةٍ في التاريخ الحديث بالنسبة إلينا -الطبقات الكادحة- في العالم. فبفضل المصريين سوف يتقدم الكادحون -اليوم أو غدًا، إلى مقدمة مسرح الصراع في العالم أجمع.
ولا يمكن أن تُخَلِّفَ مصرُ هذا الأثرَ الكبير على التاريخ العالمي إلا من خلال نقلِ عدوى الأزمة إلى الدول العربية الأخرى مثل السعودية، وإيقاف قناة السويس بالذات، وهي وريد من أهم أوردة الاقتصاد الرأسمالي العالمي في الشرق، ففي صمود المصريين لا نجد صمود الكادحين فحسب، بل وتطوير ثورتهم بهدوء، وبعزيمة ثورية، وببطولات، وببسالة لا مثيل لها في التاريخ الحديث. لذلك فإننا كلنا نعيش مع الانتفاضة المصرية، ونقوم بمتابعة نتائج كفاح طبقاتنا الكادحة في مصر كل يوم، وكل ساعة، بل وكل دقيقة.
إن كل انتصار في مصر هو انتصار لطبقتنا الكادحة في العالم، لا في مصر فحسب، فالعالم ينتظر تحولا كبيرا من خلال مصر، فالانتفاضة المصرية ليست لعبة الأطفال، بل هي مصدر قلق الرأسمالية العالمية من السعودية إلى أمريكا، من العراق إلى بريطانيا، من الأردن الى اليابان، ومن الهند إلى الصين؛ لذلك فالحديث عن الانتفاضة التونسية ليس نفس الحديث عن الانتفاضة المصرية، فالانتفاضة المصرية لم تأت تضامنًا مع تونس فحسب، بل وأتت لتكمل ما لم يكن بإمكان العاملين في تونس تكميلها.
إن حيوية الانتفاضة التونسية كانت في اختراقها الحدود المحلية وتنظيم المسيرة من الجنوب نحو العاصمة، وتعاون الناس معهم في الطريق، وإعلان الشرطة براءة الذمة من الجرائم المرتكبة إزاء الجماهير. كما أن هذه الحيوية تذكرنا بانتفاضة عام 1948 العراقية، فقام عمال نفط الحديثة بتنظيم مسيرة نحو بغداد، وبنفس الأسلوب ساعد الناسُ المضربين والمتظاهرين في الطريق. واضطرت الدولة لاستقبالهم في الطريق والوعود بتنفيذ مطالبهم مباشرة خوفًا من وصولهم الى العاصمة وتطوير الحركة فيها.
أما في توقيتها فتشبه الانتفاضة المصرية بعد الحركات السابقة لها، أكبر الانتفاضات في العالم مثل الانتفاضات الروسية في أعوام 1905 و1917.
فما الأهمية التاريخية لانتفاضة مصر؟
لا تأتي الأهمية التاريخية لانتفاضة مصر من دعمها المباشر لحركات العاملين في تونس والجزائر فحسب، بل تأتي أيضًا من وصولها إلى النقطة التاريخية الحاسمة التي تتحول فيها طبقات الاجتماعية إلى قطبين متناقضين، فالاستقطاب الطبقي بين طبقة العاملة والطبقات الحاكمة، هو الخطوة الأولى نحو التحول في مجرى التاريخ العالمي، فها هي كل الحكومات الوطنية تقف في قطب الحكام المجرمين، قطب الثراء والرِّفَاه، إزاء قطب الكادحين الذين يقفون في القطب المقابل، قطب الفقر والبؤس.
هذه هي الأهمية العظيمة لانتفاضتنا في مصر، فها هو حاكم العراق جلال الطالباني، يكتب وبقلق شديد لزميله مبارك، ويدعم قضيته بأساليبه الخسيسة، مقابل جماهير ساحة التحرير في بغداد، والذين يقفون بجانب رفاقهم المناضلين في ساحة التحرير في القاهرة.
هذا هو الاستقطاب الطبقي بين الكادحين والحكام، هذا هو طريقنا في التضامن الأممي، فالحكام يقومون بهدم العالم على رؤوسنا كل يوم مرة، فلنهدم العالم على رؤوسهم مرة واحدة. ولا يمكن أن يحدث هذا إلا بالطريقة التي طرحتها الانتفاضة العظيمة في مصر : التضامن ! ففي الاستقطاب الطبقي، أي تقسيم المجتمع إلى قطبين متصارعين عالميين، قُطْبَيْ الكادحين والحكام، سنجد طريق التقدم نحو درجة أعلى من مستوى الانتفاضات الجماهيرية الحالية للفقراء. فها هي حركة العاملين تتقدم نحو الأمام مع التحركات الجزائرية والأردنية واليمنية والسورية والعراقية، ويمكن أن تتحول الحركة الى الانتظام الشمولي، نحو التنظيم في الجمعيات والمجالس، في أية انفجارات لاحقة، فلا يمكن اهتزاز الاقتصاد العالمي دون ضرب المراكز الصناعية والتجارية ومركز حركة رأس المال في الشرق وهو قناة السويس تحديدًا.
لذلك، فيجب أن يكون الشعار اللاحق في مصر : نحو إنشاء اللجان والجمعيات الجماهيرية لتنظيم الإضرابات في المستوى الوطني لا المحلي فحسب ! ودون هذا الانتظام سوف يتأخر الوصول إلى النقطة الحاسمة في الصراع بين الطبقات في شكلها الأممي إلى أجل آخر.
فلتعش الانتفاضة المصرية !!!
Commentaires