(اذا بقـي مـن « ثورة » أكتوبر 1917 - (1/2

Que reste-t-il de la révolution d’Octobre ? Par Besbes Samir (langue arabe)
samedi 24 juillet 2010
par  LieuxCommuns

اذا بقـي مـن « ثورة » أكتوبر 1917

سمير بسباس

قد تختلف منطلقات ومرجعيات التحليل لكنّ هذه الأخيرة لن تصمد أمام الحقائق التاريخية الدامغة والوقائع التي تكون في بعض الأحيان صارخة ومعبّرة إلى حدّ لا ينكرها إلاّ من تعمد العمى وتشبث بالقوالب الجامدة. يمكن أن نجزم أن البشرية قد عاشت على مدى قرن على وهم كبير مفاده أنه هناك في زمن محدّد وتحت قيادة « ثوريّة » عرفت روسيا والاتحاد السوفيتي ثورة مثلت منارا للشعوب المضطهدة والفئات المحرومة. في الحقيقة يتراءى اليوم أن ما كان يُحسب ثورة شعبية لم يكن سوى مجرّد عملية انقضاض للحزب البلشفي على السلطة في حلك الظلام وفي غياب شبه تام للشعب. مثّلت سنة 1917 منعطفا تاريخيّا في روسيا. فلقد أنهكت الحرب العالميّة هذا البلد الذي تحالف مع فرنسا وأنقلترا في مواجهة ألمانيا. عرفت ثورة 1917 مرحلتين، الأولى في فيفري 1917 على أثرها وقع القضاء على حكم القيصر نيوكولاي الثاني والثانية في أكتوبر وقد عمّت المدن والأرياف واستغلّها البلاشفة لاغتصاب السلطة. لقد عرفت روسيا في فيفري 1917 ثورة حقيقية وظهرت خلالها أوّل السوفياتات ولجان العمّال والمزارعين مع العلم أنّ دور البلاشفة في هذه الثورة كان محدودا جدّا إن لم يكن معدوما. في سنة 1917 كانت روسيا بلدا أساسا زراعيا وكان أغلب العمّال من أصل زراعي قد نزحوا طلبا للعمل بعدما حرموا من الأرض. لم تندلع ثورة أكتوبر بمبادرة أو تحريض من المجموعات السياسية المنظّمة بل كانت في البدء حركة عفويّة لجماهير عانت الأمرين من تدهور أحوالها المعشية التي عمّقتها الحرب. فمنذ فيفري 1917 برزت انتفاضات الجوع في المدن والمصانع وحتّى في أوساط الجنود. كان انقلاب أكتوبر سهلا ولم تساهم فيه سوى حفنة من السوفياتات التي كان يهيمن عليها المناشفة والاشتراكيّون الثوريّون الذين انحازوا للبلاشفة بعد أن غرروا بهم ورفعوا شعارات السلم والأرض والحريّة. كان لينين يصرّ على ضرورة افتكاك السلطة قبل انعقاد الجلسة الخاصّة بالمؤتمر الثاني للسوفياتات أي لجان العمّال والمزارعين لأنّه كان يعلم مسبّقا أنّه لم يكن ممكنا للبلاشفة الحصول على الأغلبيّة في انتخابات السوفياتات. لكن بعد إحكام القبضة على السلطة سيكون من السهل الاستعاضة عن شعار كلّ السلطة للسوفياتات بكلّ السلطة للبلاشفة علما بأنّ هؤلاء سيعمدون إلى حلّ وقمع السوفياتات المعارضة للبلاشفة. كان لينين يردّد : « يمكن للبلاشفة أن يحتفظوا بالسلطة بفضل 240 ألف بلشفي سيكونون قادرين على القيام بنفس الدور الذي كان يقوم به 130 ألف فلاّح كبير ». يقول لينين : « لقد كانت ثورة أكتوبر أسهل من رفع ريشة طير... لقد انتصرنا بالغياب ». تفاعل البلاشفة بصفة إيجابية مع مطالب الحركة العفويّة لكسب تعاطف الجماهير والتمكّن من السلطة ولكنّهم كانوا يخفون برنامجا خاصّا ومبيّتا ستبرز الأيّام محتواه الحقيقي ومعالمه. كتب لينين في سبتمبر 1917 رسالة موجّهة إلى اللّجنة المركزيّة للحزب البلشفي جاء فيها : « يمكن للبلاشفة بل يجب عليهم الاستيلاء على السلطة ». ليس هناك أوضح من ذلك. السلطة للبلاشفة !. بعد أيّام من استيلاء البلاشفة على مقاليد الحكم صرّح تروتسكي أحد المهندسين الكبار لهذه الحركة : « كان المواطنون الروس ينامون في هدوء وراحة تامة ولم يكن يعلمون أنه في ذلك الوقت وقع تعويض سلطة بسلطة أخرى ». أفاق المواطن الروسي على خبر تسلّم البلاشفة السلطة. أين هي إذن الثورة الشعبيّة؟ في الحقيقة لقد عرفت روسيا ثورة منذ بداية سنة 1917 وكان من نتائجها الإطاحة بحكم القياصرة. لقد كان من الواضح أن الشعب لم يقدر على الاستعاضة عن حكم القياصرة ببديل واضح رغم أنّه كان يتوق للسلم والدّيمقراطيّة. لقد كان انقلاب أكتوبر حدثا من بين أحداث الثورة الرّوسية لا أكثر ولقد ساهمت سنوات من الدّعاية والمغالطة في تقديم هذا الانقلاب على أنه ثورة شعبية. بعد أكتوبر تجسّدت سلطة البلاشفة في ما كان يُعرف بـ « مجلس الكوميسارات » وهي هيئة يشرف عليها لينين (الذي لم يكن ليوم واحد عضوا في السوفياتات أي مجالس العمّال والفلاّحين) وتشرف عليها مجموعة صغيرة من قادة البلاشفة. لم تمض سوى بضع أسابيع لتقلّدهم السلطة حتّى كشف البلاشفة عن حقيقتهم وبدؤوا يتراجعون عن وعودهم التي طالما أصمّوا بها آذان المواطنين وتبنّوا قرارات الحكومات التي سبقتهم من ذلك إقرار حكم الإعدام. إذا تابعنا سير الأحداث يوما بيوم تبيّن لنا أنّ ما وقع هو استيلاء على السلطة بإراديّة سياسية لا تخلو من التآمر ما دام صاحب الأمر كان غائبا. يجيب البعض من المثقفين الذين لازالوا يتعلّقون بالوهم البلشفي : لكن كيف يترك البلاشفة الفرصة السانحة للانقضاض على السلطة في وضع يمتاز بفراغ سياسي وغياب شبه تام للنظام ويسمحون للبرجوازية كي تجني ثمرة نضال العمّال والمزارعين؟ لكن ما الهدف من استيلاء البلاشفة على السلطة وهل كانت ممارستهم مطابقة لشعاراتهم ووعودهم؟ ماذا جني العمال والمزارعون من هذه الثورة المزعومة؟ هل طبق البلاشفة شعارات السلم والأرض للفلاحين والجنود والمصنع للعمال واستقلال القوميات؟ ثم كيف يستعاض عن الحركة الاجتماعية بالتآمر السياسي لأقليّة خططت بحنكة للاستيلاء على السلطة؟ ما الغاية من انقضاض البلاشفة على السلطة وماذا يرنون من ذلك؟ لينين يعترف بصريح العبارة أنّه لا يدرك ذلك : « فأستاذتنا لم يقولوا لنا مع كامل الأسف كيف سنتصرّف لبناء الاشتراكيّة... لكنّ إذا تبيّن لنا أنّ الرّدة Thermidor أصبحت ضرورية فسنقوم بها نحن » أي أنّ الحزب البلشفي مستعدّ لتغيير برامجه إذا اقتضى الأمر ذلك. المهمّ الحفاظ على السلطة وهذا ما فعله لينين أكثر من مرّة وكذلك ستالين من بعده. صرّح « بوريس سوفارين » وهو بلشفي منشق وناقد للتوجهات الرّسمية : « بعد أن رفع البلاشفة شعار الحريّة باسم المبادئ هاهم يتنكّرون لها ويرفضونها باسم التكتيك ». أمّا « روزا لكسمبرغ » فلقد لاحظت منذ سبتمبر 1918 أن سلطة البلاشفة قد « برهنت عل احتقار تام ودون حياء للجمعية البرلمانية المنتخبة ولحريّة التعبير وللحقّ في التّجمّع وبخلاصة كل أشكال التعبير الحرّ والدّيمقراطيّ للجماهير الشعبية ». فبعد أقلّ من سنة من حكم البلاشفة عرفت موسكو أحكام الإعدام التي شملت 200 مواطنا وقد كان معظمهم ينتمون إلى يسار « الحزب الاشتراكي الثوري » الذي ساعد البلاشفة على افتكاك السلطة وقد وقع إعدامهم في جويلية 1918. خلصت « روزا ليكسمبورغ » إلى « أنّ الحكم البلشفي ليس سوى طغمة من السياسيين المحترفين… إنها دكتاتورية بالمعنى البرجوازي للكلمة وهي تعادل أو تماثل دكتاتورية اليعاقبة » (Dictature Jacobéenne) رغم الصّعوبات التي عرفها النظام البلشفي في سنواته الأولى فلقد تمكّن من بسط نفوذه والهيمنة على كامل هياكل المجتمع ومؤسساته كما أرسى منظمات ومؤسسات خاصّة به لعلّ أهمّها التشيكا أو البوليس السياسي. في ديسمبر 1917 أنشأ لينين بالتعاون مع تروتسكي وستالين جهاز الأمن السريّ أو البوليس السياسي المعروف بتشيكا Tchéka والذّي تغيّرت تسميته عديد المرّات G.P.V أو N.K.V.D أو M.G.B وصولا إلى K.G.B. لقد عرفت « التشيكا » وهي جهاز السلطة القمعي الذي تعلّم من تجارب « الأخرانا » (جهاز قمع القياصرة) توسّعا ودعما منذ الأشهر الأولى للانقلاب وقد تكفلت هذه المؤسسة ببعث محتشدات للمساجين وكانت خير خلف لأحسن سلف. أوّل ما قام به جهاز التشيكا هو مواجهة إضراب الموظفين ببتروغراد. في ماي – جوان 1918 وقع منع صدور 205 صحيفة يومية ذات توجّه يساري ووقع حلّ كلّ السوفياتات غير البلشفيّة. في 14 جوان 1918 وفي مدينة Kolpino فتحت التشيكا النار على مسيرة الجوع السلميّة وقتلت 10 عمّالا. أمّا في Ekaterinburg فلقد قتل الحرس الأحمر 15 عاملا أثناء عقدهم لاجتماع تنديدا بالقمع. في سبتمبر 1918 بعث لينين برسالة دعا فيها إلى ممارسة الإرهاب الجماعي وإلى تكوين فرق سرّية مختصّة في ذلك. في جانفي 1918 أصدر لينين أمرا بإنشاء المحاكم الخاصّة التي وقع تمكينها من كلّ الصلاحيات للبتّ في ما سُمّي بـ« جرائم الصحافة ». منذ السنوات الأولى لحكم البلاشفة بدأت ملامح النظام الدكتاتوري الاستبدادي تبرز للعيان من خلال الإجراءات التعسفيّة والقمعية التي أقرّها الحزب البلشفي. فلقد وقع منع كلّ منظمة سياسية باستثناء الحزب البلشفي وقد طالت حملات التتبّع والقمع كلّ الأحزاب بما في ذلك يسار الحزب الاشتراكي الثوري وهو حليف البلاشفة الذي أعدمت قياداته أو أودعت محتشدات العمل الإجباري. تحوّلت السوفياتات إلى خراب وتحوّل أعضاؤها إلى مجرّد موظفين يأتمرون بأمر القيادة. بعث لينين في أوت 1918 تلغراما جاء فيه : "احبسوا المشكوك فيهم في محتشدات خارج المدن وانشروا الرّعب في أوساطهم دون رحمة أو شفقة : (لينين : المختارات المجلّد 50 صفحة 133، الطبعة الخامسة). كان لينين أوّل من دشّن محتشدات الغولاك Goulag. ظهرت أوّل المحتشدات في سنة 1919 وقد خُصّصت للتخلّص من غير المرغوب فيهم. في بادئ الأمر لم تشمل الأشغال الشاقة سوى الطبقات المتوسّطة ثم توسّع مجال القمع ليشمل فئات أخرى من عمّال ومزارعين وشباب ومراهقين وحتّى القُصّر. ففي سنة 1922 كان هناك 22 محتشدا للعمل الإجباري حيث وقع تجميع المعارضين السياسيين ومساجين الحق العام وكانت التشيكا تشرف مباشرة على هذه المحتشدات. في 15 أفريل 1919 عرّفت السلطة البلشفية « محتشدات العمل الإجباري » بكونها محتشدات تضمّ كلّ من صدرت ضدّه أحكام قضائيّة. أمّا معسكرات الاعتقال والمحتشدات الأخرى فهي تجمع العناصر التي تمثل خطرا اجتماعيا على النظام والذين لم تصدر تجاههم أحكام قضائيّة. هؤلاء يُجمّعون تحت رقابة التشيكا أو البوليس السياسي. ضمّت هذه المحتشدات في عهد لينين ما بين 100 ألفا و150 ألفا من المساجين وقد كانوا يعانون من سوء التغذية والبرد ويحصلون على الطعام من عملهم. في مارس 1919 وقع هجوم على تجمّع عمّالي بمنطقة Volga وسقط 2000 عاملا برصاص التشيكا. كان تروتسكي يردّد : « اقمعوهم دون رحمة ». إذا أضفنا لهؤلاء الضحايا الذين سقطوا في سجون البلاشفة يرتفع عدد القتلى إلى 4 آلاف عاملا. كان البلاشفة يهدّدون العمّال بخصم 3 أيام عمل لكلّ مساهمة أو حضور لاجتماع عمّالي مضاد للبلاشفة. في سنة 1921 أصدر لينين أمرا ببعث « مخبرٍ للسموم » بغاية « مقاومة أعداء السلطة البلشفية ». هكذا مات العديد من الأشخاص في ظروف غريبة ودون إصدار حكم قضائي ضدّهم سواء كان ذلك بأزمة قلبية فجائية أو بانهيار عصبي أو حتّى أثناء تلقّيهم لعلاج من طرف أطبّاء يخدمون في ركاب البلشفيّة. يبرّر البعض حملات القمع هذه بالحرب الأهليّة والتدخّل الأجنبي. لكنّنا لو رجعنا إلى التاريخ لتراءى لنا أنّ الحملات القمعيّة التي قام بها لينين ورفاقه قد سبقت ذلك. « المفهوم العلمي للدكتاتورية يعني السلطة اللاّمحدودة التي تعتمد على القوّة لا أكثر ولا أقلّ ولا يمكن لأيّ قانون أو قاعدة أن تحدّ منها » (لينين). « في صراعنا من أجل السلطة، علينا أن لا نتراجع قيد أنملة أمام أي مبدأ كان، علينا الاستعداد لكلّ عمل وحيلة » (لينين، المختارات، المجلّد الثاني، صفحة 701). في ظلّ حكم لينين مات ما يقارب 15 مليون مواطنا من رجال ونساء وأطفال نتيجة للحرب الأهلية والمجاعة. لقاء أعماله الإجرامية المتمثّلة في قمع الحركة العمالية وحركة المزارعين سمّي تروتسكي مارشال الجيش الأحمر وقد مكّنه ذلك من إدارة حملات القمع الواسعة بما في ذلك قمع انتفاضة كرونشتاد. لقد طال غدر البلاشفة الأوكرانيين وما يعرف بـ Makhnovitchina وهم فوضويون ساهموا في ردّ هجوم « الجيوش البيضاء » وأخذوا عهدا من البلاشفة ومن لينين وتروتسكي بالذات بعدم التعرّض لهم. في سنة 1920 وبعد إقرار مبدأ عسكرة الإنتاج الذي أتى به تروتسكي انطلقت إضرابات عمّالية في كامل أرجاء روسيا وشملت ما يقارب 70 بالمائة من المؤسسات الكبرى والوسطى وبالأخصّ مدينة بتروغراد. بعد توقيع معاهدة السلم مع ألمانيا في Brest-Litovsk تحوّلت محتشدات مساجين الحرب الروسية الألمانية التي أقامها الجيش الروسي إلى محتشدات للشعب الروسي. قام البلاشفة بتهجير شعوب وإثنيات من بلدانهم وجهاتهم إلى مناطق أخرى نائية. أوّل ضحايا هذا التهجير هم القوقاز الذين اعتبرهم لينين أعداء طبقيين. خلال تقدّم الجيش الأحمر في بداية 1920 نحو أوكرانيا وجنوب روسيا قامت التشيكا بذبح عشرات الآلاف من القوقاز ولم يكن ذلك بأمر مباشر من القيادة العسكرية بل كان تنفيذا لقرارات قيادة الحزب وبالتحديد لينين وتروتسكي وستالين وما يعرف بالمكتب السياسي Politiburo وذلك في 14 جانفي 1919. جاء في تقرير للمكتب السياسي ما يلي : « من خلال معاينتنا للحرب الأهلية ضدّ القوقاز علينا أن نقرّ أن الوسيلة السياسية الوحيدة والناجعة تظلّ الإرهاب الجماعي ضدّ أغنياء القوقاز الذين يجب تصفيتهم جسديا على بكرتهم وكذلك كلّ الذين ساهموا مباشرة أو بصفة غير مباشرة في مقاومة سلطة البلاشفة ». هكذا وقع تهجير عشرات الآلاف من المواطنين من سكان المدن والأرياف بعد أن وقع قتل رؤساء عائلاتهم. إثر محاولة اغتيال لينين في أوت 1918 وفي ظرف شهرين قامت التشيكا بقتل 15 ألف مواطنا روسيا دون محاكمة. كتبت جريدة La Glaive Rouge « السيف الأحمر » الناطقة باسم البوليس السياسي : « كلّ شيء مسموح به لنا لأنّنا أوّل من رفع السلاح في وجه العبودية لتحرير الإنسانية وتخليصها من أغلالها. الدم ! مزيدا من الدم ! ليسيل الدّم مدرارا ما دام هذا الدّم سيصبغ بلونه العلم الأسود للبرجوازية ». كيف برّر لينين دكتاتورية الحزب وإلغاء كلّ أشكال التعبير الحرّ : « في بعض الحالات يمكن أن يجسّد دكتاتور رغبات وطموحات طبقة وقد يتجاوز هذه الطموحات أشواطا. لذلك يصبح وجوده أمرا أكثر من ضروري ». اعترف لينين صراحة بأن جهاز السلطة الروسية « قد وقع استلهامه من النظام القيصري ». كان من الواضح أنّ ما يسّمى بدكتاتورية البروليتاريا لم تكن سوى دكتاتورية حفنة من المثقفين المتآمرين يقودهم دكتاتور يؤمن بأنّه يجسّد طموحات أمّته : باسم العلم الماركسي الأوحد والذي لا يسمح بأي تغيير تحكم طغمة تربعت على العرش وسلّطت أحكامها على الشعب. يقول لينين : « إنّ التخلّي عن أي مبدأ جوهري أو قسم أساسي من الفلسفة الماركسية التي تمثّل قطعة متماسكة من المعدن الصلب يعني الابتعاد عن الحقيقة الموضوعية والسقوط في الصلف البرجوازي والرّجعي » (الماديّة ومذهب النقد التجريبي 1909). الماركسية هي إذن دين واحد لا تنفصل أجزاءه. لم تعد المعرفة مرتبطة بالنشاط والبحث والملاحظة والمعاينة والتصوّر والخلق بل تحوّلت إلى مجرّد تأويل لفكر دغمائي ولنقل لـ« خاتم العلوم » لا يفقهه إلاّ الرّاسخين في العلم والقادرين وحدهم على إصدار الفتاوى تماشيا مع روح النصّ والنظريّة. لا مجال لنقاش توجّهات الحزب لأنّها لا تمثّل سوى تجسيدا لهذه الحقيقة وكلّ من سوّلت له نفسه ذلك سيُحسب على الأعداء والمارقين والواجب تجاهه المحق. بخلاصة على الشعب أن يسلّم مصيره لقيادة هي الأعلم بخفايا الحاضر والمستقبل وأن ينقاد لأوامرها. إذا كانت الماركسية الأرثوذكسية كما يرى لينين « لا تحتاج لتغيير لا في محتواها الفلسفي أو في مجال نظرية الاقتصاد السياسي أو نتائجها العملية » (لينين : رسالة إلى N.Valentino) من يحقّ له في هذه الحالة تأويل هذه النظريّة؟ هل سنحتاج إلى فقهاء راسخين في العلم كي يؤوّلوا لنا النصوص ويصدروا الأحكام والفتاوى؟ الجواب جاهز والحلّ يسير. يقول لينين "تقود الأحزاب الطبقات ويرأس الأحزاب أفراد نطلق عليهم بالزعماء... يمكن للدكتاتورية أن تجسّد رغبات وطموحات طبقة. فالديمقراطية السوفييتية لا تتناقض البتّة مع دكتاتورية فرد... المهم وجود قيادة موحّدة والقبول بالحكم الدكتاتوري للفرد... كلّ الجمل التّي تتغنّى بالعدالة والحقوق ليست سوى ضربا من التفاهة والسذاجة". (لينين، المختارات، المجلّد 17) عندما أقرّ لينين « شيوعية الحرب » كان أوّل ما بدأ القيام به هو مصادرة قسم هام من المحصول الزراعي بالقوّة. فما إن تحصّل المزارعون الصغار على الأراضي التي افتكّوها من الملاّكين الكبار حتّى شرعت الدولة في الاستحواذ على خيراتهم التي تحصّلوا عليها بعرق جبينهم. قام « الموجيك » بإتلاف جزء من محصول القمح وأدّى ذلك إلى حملات تقتيل جماعي أدّت إلى وفاة ما لا يقلّ عن مليون مزارع. كان لينين يتباهى بأنه أرسى نظاما اقتدى بمثال سلطة اليعاقبة وفي سنة 1920، اعترف صراحة أن النظام السوفيتي يقوده بعض الزعماء والقادة من البلاشفة « إنها أوليغارشية بتمام معنى الكلمة » كما جاء على لسانه. على المستوى الاقتصادي أقرّ البلاشفة أشكال الاستغلال الرأسمالي : الأجرة بحساب القطعة أي النظام « التايلوري » للإنتاج Taylorisme. في 29 أفريل 1918 صرّح لينين أمام اللّجنة المركزية للحزب : « أن نبني اليوم رأسمالية الدولة فمعني ذلك أن نطبّق طرق ووسائل المراقبة التي تستعملها الطبقات الرأسماليّة ». في ماي 1918 أقرّ لينين أنّ الهدف الذي يرنو له هو : « تنظيم الإنتاج على أوسع نطاق وفي كامل البلاد باعتماد أسس رأسمالية الدولة » عِلمًا بأن مجمل الأنظمة السياسية التي سلكت الطريقة الرّوسية قد اقتدت بتجربة لينين وأرست نظاما اقتصاديا مشابها. في نفس المقال المذكور يصرّح لينين دون أي لبس أو تردّد بأن « واجبنا أن نتعلّم من مدرسة رأسمالية الدولة الألمانية وأن نجهد ما أمكن لنا ذلك لهضم هذه التجربة وأن لا نتوانى في اللّجوء إلى الوسائل الدّكتاتوريّة لغرس هذه التجربة في روسيا » !!! إنّها لمهزلة. ففي الوقت الذي كانت فيه روزا لكسمبرغ تقاوم النظام الاستبدادي الألماني في بلدها كان رفيق دربها لينين يكيل المديح له ويريد غرس النظام الاقتصادي الألماني في المجتمع السوفييتي. تمادى لينين في هذا النهج وهاهو يصرّح في أفريل 1921 : « بما أنه يستحيل لنا المرور المباشر من الملكية الصغيرة إلى الاشتراكية فإن الرأسمالية تصبح بشكل ما ضرورية... إذن علينا تقبّلها وتوجيهها في طريق رأسمالية الدّولة ». إذن لا يمكن المرور من الاشتراكية قبل أن تكمل الرأسمالية مهامها المتمثلة في مراكمة الإنتاج وتجميعه في مؤسسات كبيرة. قدر الاشتراكية أن ترسي نظاما رأسماليا !! لقد وقع دعم هذه السياسة بما يعرف بالسياسة الاقتصادية الجديدة NEP أي حقنها بقدرٍ معيّنٍ من الرأسماليّة الخاصّة. في مارس 1922 ومن على منبر مؤتمر الحزب البلشفي اعترف لينين بأن اقتصاد روسيا ليس سوى رأسمالية الدّولة : « رأسمالية الدّولة هي رأسمالية يمكن لنا أن نقبل بها نحن البلاشفة... أي الدولة البروليتارية بما أن الدّولة هي نحن. إذا لم نفلح في ذلك فالمسؤولية تعود علينا ولا مجال للبحث عن مسؤول آخر ». تبنّى لينين مفهوم ورؤية لويس الرابع عشر للدولة : الدولة هي أنا وأنا هو الدولة !!! « لسنا مطالبين بأي شكل من الأشكال بالعودة إلى تقييم الأساتذة الألمان لرأسمالية الدّولة ولا داعي للنظر إلى الوراء » أي بصريح العبارة لا يهمّنا موقف الاشتراكيين الألمان من هذا النظام. يذهب لينين أبعد من ذلك. فها هو يصرّح في أواخر سنة 1922 : « إنّ إرساء رأسمالية الدولة لا يسير بالسرعة المطلوبة... إذا لم يساهم الرأسمال الأجنبي في تنمية اقتصادنا فإنّه لن نأمل في إقامته في أقرب الآجال ». كان المختصّ في الماركسيّة وتاريخها Maximilien Rubel واعيا بحقيقة النظام البلشفي. فقد كتب ما يلي : « في روسيا، يقوم لينين وحزبه بالدور المناط للبرجوازية في بقية أرجاء العالم... فهذا الاقتصاد الذي يصفونه بالاشتراكي ليس سوى شكلا خاصّا لنظام إنتاج تعرّض له ماركس في الجزء الثالث من كتاب رأس المال... إنها الرأسمالية في شكلها الدكتاتوري وهي فرع من فروع الرأسمالية الخاصة التي تُقام على أساس القضاء على المؤسسات الصغيرة وهضمها من طرف مؤسسات أكبر... » لقد خضع عمّال روسيا في ظلّ حكم لينين لأبشع أنواع الاستغلال الذي مارسته حفنة من المحظوظين من المحترفين السياسيين والذين كانوا يتمتّعون بامتيازات خاصّة. كان لينين مولعا بالتنظيم الرأسمالي للعمل وبالأخصّ التايلورية وكان يعتبر أن تنظيم الحزب البلشفي عبارة عن « مصنع » حيث يخضع الجزء للكلّ والأقليّة للأغلبيّة ويخضع الكل لتقسيم العمل تحت إدارة لجنة مركزيّة. بالنسبة له لا بدّ من مقاربة تنظيم الحزب من وجهة نظر تقنية صرفة ما دامت التقنية محايدة كما تعتبر الماركسية ذلك وتخضع لعقلانية خالصة. فهناك فصل بين الشكل والمضمون. ننزع الأوّل ونتبنّاه حتّى وإنْ كان مصدره الرأسمالية. لكننا نعلم جيدا أنّ الشكل والمضمون متلازمان فكما أن غلاف الخليّة يدل عليها ويمثل أحد مكوّناتها الأساسية فإن تنظيم وإدارة الإنتاج هي تعبير عن الهيكلة الأساسية للمجتمع. يُخضع الحزب المجتمع لطريقة تنظيمه التي استوحاها من التنظيم العقلاني الخالص و« المحايد » للمجتمع الرأسمالي ويصبح هذا الشكل نوعا من البالوعة التي ستضمّ لها كلّ قطاعات المجتمع ومجالاته. لينين يؤلّه التقنية وبالأخصّ تقنية التنظيم والإدارة الرأسمالية وهو يرى أنّ على الحزب أن يدفع بهذه الطريقة إلى مداها الأقصى ليضمن اللّحاق بالمجتمع الرأسمالي وتجاوزه. لكن ذلك يستوجب انضباطا حديديّا. إنّها « الروح التقدميّة للتايلورية » كما جاء على لسان لينين وتروتسكي. بل إنّ هذا الأخير قد دعا إلى ما سمّاه بـ« عسكرة الإنتاج ». أصبحت « الثورة » ملكا لجهاز الحزب وأصبح العمّال والمزارعون وقودها. يعتمد المجتمع كما في التايلورية على تقسيم العمل وتوزيع المهام. فالعامل لا تتجاوز معلوماته وقدراته المجال الجزئي المحدّد له. أمّا الكليّة فهي حكر على القيادة والمركز. من المعلوم أنّ كلّ الأحزاب الستالينية كانت تتوجّس ريبة من المبادرات التي تقوم بها الفروع أو اللّجان الحزبية القاعدية. تعتمد التايلورية على فلول العمّال والمزارعين النازحين إلى المدن والفاقدين لتكوين مهني واختصاص ولذلك فهي تصلح للينين الذي يعتبر أن الشعب لا يرتقي إلى المعرفة الشاملة ولذلك وجبت قيادته كما يقود رأسماليا مصنعه. أمّا النقابات فعليها السّهر على تطوير الإنتاج وتوجيه العمّال من اجل مزيد من العطاء. « من الطبيعي والضروري أن يشبه تنظيم الحزب وهيكلته المصنع الرأسمالي » (لينين). لكن ما هي الفروق بين عامل في مصنع رأسمالي وعامل سوفييتي؟ الأوّل يعمل وهو يعلم مسبّقا أنّه لن يقطف ثمرة عطائه، أمّا الثاني فلقد أوهمه الحزب بأنّه يعمل لفائدة الطبقة العاملة وأنّه المستفيد الأوّل من زيادة الإنتاج. فهو عامل فاقد للرغبة والخيال والهدف والإرادة ما دامت القيادة الحزبية قد تكفّلت برسم أهدافه وفقا لسيرورة تاريخية علمية لا تخضع للنقاش. العامل الروسي مطالب بالخنوع خدمة للوطن الاشتراكي : هذا هو العامل الذي يريد خلقه البلاشفة رغم أنّهم لم يفلحوا في ذلك في كلّ الحالات كما تبيّن الحركات الاحتجاجية للعمّال. أمّا « المثقّف الثوري » المحترف والذي يتربّع في القيادة فهو يلخّص ويكتنز الحقيقة التاريخية الموضوعية ويعبّر عن طموحات الجماهير ويقودها. الكّل يسير وفق قانون تاريخي، موضوعي وعلمي ولكل دوره الذي أناطه التاريخ له والتايلورية في المصنع والمجتمع هي الشكل الأمثل لتلبية نداء التاريخ. فما دام وعي العامل لا يرتقي لهذه المعرفة وجب على فئة ضيّقة من المثقفين أن تنير طريقهم وتقودهم في المصنع والمزرعة والإدارة والنقابة والحزب... في أكثر من مناسبة يتحدّث لينين عن الحزب ويشبّهه بجيش أو ثكنة بحيث يخضع العامّة « لانضباط حديدي » و« عسكري ». فهذا الرّفيق تروتسكي المؤسس الحقيقي للجيش الأحمر يقدّم مبرّراته لما يطلق عليه « بعسكرة الإنتاج » و« عسكرة المجتمع » وذلك في كتابه الشهير « الإرهاب والشيوعية ». هي عسكرة بلشفية تختلف عن العسكرة الرأسماليّة لأنّها في خدمة العامل. ففي الثكنة البلشفية لا يعود القرار للضبّاط والجنرالات بل للطبقة العاملة. فـ« التايلوريّة في النظام الرأسمالي تهدف لمزيد استغلال العامل. أمّا في المجتمع السوفييتي فهي تهدف لزيادة الإنتاج خدمة للمجتمع. يمكن أن نقبل بكلّ أشكال التنظيم الرأسمالي دون القبول بمضامينها » (لينين) كأن تأخذ الإصبع دون اليد. كيف خضع العمّال لهذه الأكاذيب التي تكاد لا تنطلي على طفل. لجأ البلاشفة إلى كلّ الوسائل من قمع ومراقبة وساعدتهم في ذلك وسائل الدّعاية للحزب البلشفي التي قدّمت صورة كاذبة للسلطة وأوهمت أجزاء كبيرة من العمّال بمشروعية توجهاتها. يقول تروتسكي : « حسنا ما قامت به الطبيعة عندما جسّدت الفكر الثوري المعبر عن طموحات البروليتاريا كأحسن ما يكون ». إنّه قدر الطبيعة المتعالي والخفي والذي يفعل فعله في التاريخ. فهذا الزعيم يجسّد الحتمية التاريخية ويفتك من الرأسمالية وسائلها وأدواتها وطرق تنظيمها للمصنع والحزب والمجتمع ليجسّدها في مجتمع اشتراكي ! يا للاشتراكية !!! « انظروا إلى الألمان. إنّهم أقوى منّا بمائة مرّة. إنّهم يعلمون أن العمال البسطاء لا يمكن لهم أن يتحوّلوا إلى محرّضين لذلك فإنّهم يضعون العامل المناسب في المكان المناسب... على الحزب أن ينتقي العمال الأكثر معرفة وهذه الأخيرة ملك لفئة ضيقة ونيّرة من المثقفين الذين يحملون الوعي للعمّال من الخارج » (لينين : ما العمل) يعتبر لينين اقتصاد الحرب الألماني وأقسام البريد الألمانية مثالا يقتدي به في التنظيم الاشتراكي أي تنظيم الاقتصاد والمجتمع بصفة ممركزة. كان لينين يتهم اليساريين المناهضين لتبنّي التنظيم الرأسمالي للعمل بالطفولية. قد يردّ بعض المثقفين والستاليينيين على كلّ ما ورد بأنّه يَنمّ عن حقد بورجوازي. فالمهمّ هو إخراج روسيا من حالة التخلّف وتحويلها إلى دولة مصنعة تنافس البلدان الغربية. فما يضرّ أن تتبنى الإشتراكية أساليب الرأسمالية في تنظيم وإدارة العمل ما دامت ستجعل المجتمع « يتقدّم » ويلتحق بالبلدان الغربية. نأخذ الشكل ونلفظ المضمون كأن نقبل يالليل دون الظلام أو نقبل بالصيف دون حرّه. فهذا لينين ومن بعده ستالين قد جعلا من روسيا دولة صناعية متقدّمة. فعلا لقد كان البلاشفة يحلمون بروسيا متقدّمة تلحق بركب الحضارة الغربية وتخلّص روسيا من « آسيويتها ». لكن أليست هذه ذاتها طموحات البرجوازية الروسية بل حتّى القياصرة؟ أين مكمن الخلاف إذن؟ البلاشفة يريدون ليّ عنق التاريخ واختصار بل حرق المراحل باسم قوانين التاريخ الموضوعية وذلك يتطلّب قيادة موحّدة وإخضاع معظم فئات الشعب لدكتاتوريتهم وإلغاء كلّ معارضة أو حتّى مجرّد اختلاف. لا يهمّ عدد الضحايا الذي بلغ ما يقارب 80 مليونا (فترة لينين وستالين). المهمّ أنّ روسيا تلتحق بالبلاد المصنعة. « لا يمكن أن نضمن دكتاتورية البروليتاريا إلاّ في شكل دكتاتورية طليعتها أي الحزب البلشفي » (مقررات المؤتمر الثاني عشر للحزب البلشفي). « لقد رسمت الطليعة الواعية للبروليتاريا الرّوسية مهمّة لها هي تطوير الانضباط في العمل ... يمكن لنا تحقيق الاشتراكية إذا ما نجحنا في الرّبط بين سلطة السوفياتات والنظام السوفييتي للإدارة من ناحية مع أحدث الإنجازات الرأسمالية. لا بدّ من الترويج لتعاليم تايلور والاستفادة من تجاربه ونظرته الشموليّة » (لينين : المهام المباشرة لسلطة السوفياتات). « نحن لا نبتكر شكلا جديدا لتنظيم العمل بل نتقبله ونتبناه كلّه من الرأسمالية : البنوك، الكارتالات، المصانع المثالية، محطات التجارب، الأكاديميات ... يكفي أن نقتبس أحسن أشكال التنظيم والتي فرضت نفسها في البلدان المتقدّمة » (لينين : هل يحتفظ البلاشفة بالسلطة). أقرّ النظام البلشفي بإيعاز من تروتسكي مبدأ « عسكرة الإنتاج والعمل » وبذلك تحوّل تدريجيا ملايين العمّال إلى أفراد مهمتهم التنفيذ والتقبل دون نقاش. أكّد البلاشفة على الانضباط في مواقع العمل وكان الجيش حاضرا داخل المصانع ممّا دفع بالعمّال إلى التجمّع والاحتجاج. في الحين كان يُوشى بالعناصر النشطة والمنظّمة للاجتماع ويقع إيقافهم بتهمة معاداة الثورة وتخريب الاقتصاد والجوسسة لصالح القوى المعادية. منذ الأشهر الأولى للدكتاتورية البلشفية صرّح Riabouchinsky أحد الممثلين الأكثر ذكاء للبرجوازية الرّوسية في إحدى الصحف : « إنّ البلشفيّة مرض خطير يجب تحمّله والصبر عليه لأنّها تحمل في كنهها ومكوّناتها الأمل في استعادة وطننا العزيز لقوّته ». يلاحظ Otto Ruhle من ناحيته أن هتلر قد منع ترويج كلّ كتابات البلاشفة باستثناء كتاب واحد للينين : « اليسارية مرض الطفولة » الذي ينقد فيه المعارضة اليسارية ويتّهمها فيه بالطفولية. للتذكير، فإنّه إلى حدّ سنة 1990 ظلّت 3700 وثيقة للينين في طي الكتمان ولم يقع نشرها لأنّ محتوياتها تعطي فكرة سلبية عن النظام البلشفي. بعد سنة 1928 وقع الشروع في تجميع كتابات لينين في مجلّدات : المجلّدات الكاملة والتي كانت في الحقيقة ناقصة وقد تطلب ذلك عقودا. في ظل حكم خروتشوف ظهرت الكتابات الكاملة في شكل 55 مجلّدا. بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ظهرت آلاف الوثائق الخاصة بلينين التي وقع تجنّب نشرها على مدى عقود. قبل استقالة غروباتشيف قدم مدير معهد الماركسية اللينينيّة والمسؤول عن توثيق كتابات لينين تبريرا لذلك : « ليس من مصلحتنا، في الحاضر كما في المستقبل، نشر مثل هذه الوثائق ». من بين الوثائق السرية التي وقع نشرها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي تلك التي تحثّ على استغلال الصراعات بين القوميات والإثنيات وإخضاع مناطق البلطيك أو تلك المتعلّقة بالسياسة الدوليّة. في سنة 1999 ظهر مجلّد جديد يحتوي على نصوص لينين التي وقع تجنّب نشرها في المجلّدات السابقة وكالعادة تجنّد بقايا الستالينيين لنفي حقيقة هذه الوثائق واتهام أعداء لينين بنسبها له كذبا وبهتانا. لكن الكتابات الرّسمية والمتفق عليها تكفي لتعرّي حقيقة لينين. لم يكن لينين في يوم ما منظّرا أو فيلسوفا ولم يكتسب هذه الصّفة إلاّ بعد أن أصبح رئيس الدولة. في كتابه : « الماديّة ونقد المذهب التجريبي » طوّر مفهوما خاصا لنظرية المعرفة وقد فنّدته البحوث العلمية بينما أكّدت صحّة موقف « ماخ » علما بأن لينين قد عمد إلى تحريف وتأويل نظرية ماخ كما تدل على ذلك مراجعة كتاباته. فالمعرفة لدى لينين ليست سوى انعكاسا للواقع وهذه روح الوضعانية في شكلها الأشدّ ابتذالا. اللّينينية كنظرية مزعومة ليست في الحقيقة سوى « إرادية سياسية » أو « نظريّة » لافتكاك السلطة أي نوع من الميكيافيلية التي تجيز كلّ الوسائل والطرق للوصول إلى الغاية حتى إذا ما اقتضى ذلك تغيير البرامج والشعارات وقد قام لينين أكثر من مرّة بتغيير برامج السلطة بل أنه تبنّى برنامج الحزب الاشتراكي الثوري الذي لطالما قاومه. تمكّن لينين بفضل دهائه السياسي من القضاء على كلّ المعارضين والناقدين داخل الحزب وتخلّص من أغلب العناصر التي كانت تنتقد استفراد الحزب بالحياة السياسية والسلطة التي تحولت في ظرف أشهر إلى دكتاتورية حفنة من المحترفين السياسيين. بعد وفاة لينين أصبحت اللّينينيّة فلسفة الحزب التي دعا لها ستالين وأقام على أساسها نظامه السلطوي. النظام اللينيني هو نظام شمولي بتمام معنى الكلمة والشمولية هي أن يحتكر النظام كل أوجه الحياة وهو مفهوم طوره موسولوني « الكل يتلخص في الدولة، لا شيء خارج الدولة ». أما Otto Ruhle فقد اعتبر أن الشمولية توجه عالمي لرأسمالية الدولة برز في البداية في روسيا ثم في ألمانيا النازية : « ففي هذين البلدين والنظامين هناك تماثل بنيوي وتنظيمي وتكتيكي وديناميكي تجسم في توجه سياسي وعسكري مشابه ». تمثلت ركائز هذا النظام منذ ظهوره في جهاز قمعي يعتمد أساسا على البوليس السري والمحتشدات أين يُزج بالمعارضين والمهجرين والموقوفين بشتى التهم ودون محاكمة وعلى دكتاتورية حزب يمنع الحريات ويحتكر الحياة السياسية. يعتقد المفكّر كاستورياديس أنّ : « لينين هو الأب الفعلي للشمولية » (كاستورياديس : جريدة لومند بتاريخ 24 و25 أفريل 1990 : انهيار الماركسية اللّينينية) قبل هتلر وموسوليني. للتذكير فلقد أقرّ المؤتمر الثاني للأممية الثالثة بتاريخ 17 جويلية إلى 7 أوت 1920 ما يلي : « على الشيوعيين الموثوق بهم أن يشرفوا على وسائل الإعلام... كلّ الصحافة وأقسام النشر يجب أن تخضع للّجنة المركزية للحزب... لا بدّ من إخضاع كلّ النقابات لسلطة الحزب... على كلّ الأحزاب الشيوعية أن تناضل بصفة علنية وتقوم بعمليّات تطهير دورية لصفوفها وتنظيماتها لإبعاد العناصر الانتهازيّة والبورجوازية الصغيرة... ». « لينين هو صانع النظام الشمولي. لقد ظهر في لحظة من تاريخ الأممية الثانية أي من الحركة الماركسية. لكن ماذا كانت هذه الحركة؟ لم تكن سوى اتجاها واحدا ضمن هذه الحركة وهي في الأخير نوع من اغتصاب شيء واسع وأعظم أي اغتصاب هذه الحركة العمّالية التي لم تكن من صنيع أفلاطون أو أرسطو أو روسو أو ماركس لكنّها كانت نابعة من العمّال ذاتهم ومن نضالاتهم ومطالبهم التي حتى وإن اختلفنا حول تقييمها ومحتواها لكن جوهرها يظلّ صحيحا وعادلا » (Castoriadis : Une société à la dérive, Seuil, 1999).

II كرونشتـاد : العمّـال ضـدّ البلاشفـة كما أسلفنا القول أحصت التشيكا أي البوليس السياسي الروسي في فيفري 1921 أي شهرا قبل انتفاضة كرونشتاد ما يقارب 120 انتفاضة للمزارعين الذين صادرت قيادة الحزب محاصيلهم وتسببت في مجاعة ذهب ضحيتها أكثر من 5 مليون مزارعا. اكتشف العمّال أن نضالاتهم قد ذهبت سُدًى وأن حفنة من البلاشفة قد استحوذت على هذه النضالات وركبت انتفاضة العمال والمزارعين من أجل الحريّة لترسي نظاما دكتاتوريا فاق في قمعه القياصرة. عمّت المجاعة البلاد بينما تمتع القادة والكوادر الحزبية بمعاملة خاصّة. جاء قرار السلطة في 22 جانفي 1921 بالحدّ من حصّة مواطني المدن من الخبز بالثلث. عمّت الإضرابات المدن وجوبهت بالحديد والنار من طرف الجيش الأحمر والبوليس السياسي وكانت بتروغراد أهم مدينة عرفت هذه الاحتجاجات. حينها بدأ التململ يدبّ في أوساط عمال كرونشتاد الذين طالبوا الدولة بالمحاسبة. لقد جاءت انتفاضة كرونشتاد كردّ فعل على القرارات الجائرة للبلاشفة. أراد بحّارة كرونشتاد الذين كان يقول عنهم تروتسكي أنّهم « فخر ومجد الثورة الروسية » أن يعبّروا عن تضامنهم مع عمّال بتروغراد. في مارس 1921 تجمّع 16 ألفا من عمال وبحّارة كرونشتاد (ثلث السكان) ووجّهوا نقدا لاذعا للسلطة. رفع العمال والبحارة شعارات : « عاشت السوفياتات دون البلاشفة »، « لا للدكتاتورية البلشفية ». عبّر المجتمعون في الوثيقة السياسية لكومونة كرونشتاد عن مطالبهم وقرّروا الشروع في انتخاب السوفياتات. كانت مطالب عمال كرونشتاد تتلخّص في : 1- الانتخاب السرّي مع ضمان حريّة التعبير لكلّ الاتجاهات السياسية وذلك في النقابات والتعاونيات والسوفياتات. 2- رفض التعيين الحزبي 3- الفصل بين الحزب والدولة. 4- تمكين المزارعين والحرفيين من استغلال أراضيهم وماشيتهم وأدوات عملهم وذلك دون استغلال عمل الآخرين. 5- معاملة الأطراف السياسية بصفتها قوى قادرة على المساهمة والابتكار ولا كأدوات تنفيذ للجهاز القمعي. أن يقبل لينين وتروتسكي بهذه المطالب فمعناه أن يتخلّيا عن كامل برنامج البلاشفة لبسط نفوذهم على مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية. لقد شاءت الصدف أن يكون آخر يوم لمجزرة كرونشتاد يقابل أوّل يوم لكومونة باريس. واجهت السلطة البلشفية انتفاضة كرونشتاد بالرصاص. فلقد أعدم ما يقارب ألف عاملا رميا بالرصاص بينما وقع تهجير ونفي ما يقارب 10 آلاف مواطنا علما بأنه في سنة 1921 كان لينين وتروتسكي الشخصيتين الفاعلتين في الحزب ولم يزل ستالين شخصية في المرتبة الثانية. من الملاحظ أن لينين قد تراجع بعد هذه الأحداث عن سياسته الاقتصادية ليتبنّى ما يعرف بالسياسة الاقتصادية الجديدة NEP التي سمحت بهامش للقطاع الخاص (في الصناعة والزراعة).

III التروتسكيّـة تبـرّر نفسهـا : تقدّم التروتسكية نفسها بأنّها نقيض للستالينية وقد ساعدها اغتيال تروتسكي على تلميع صورتها وإبراز نفسها على أنها ضحية من ضحايا الأولى والحال أن الحقيقة مغايرة تماما. كلّنا يعلم أنّ تروتسكي كان المهندس الأوّل لانقلاب أكتوبر وأنّه ساهم إلى جانب لينين وستالين في قمع الشعب السوفييتي وإرساء النظام الدكتاتوري. كان تروتسكي يرى أن مستقبل الاشتراكية مرهون بتسريع عملية تصنيع البلاد. لبلوغ هذا الهدف كان لا بدّ من توفير مصادر تمويل. بما أن قطاع الصناعة قد وقع تفكيكه والإضرار به نتيجة لظروف الحرب، علما بأنّه لم يبلغ درجة تطوّر الصناعة في البلدان الصناعية، فلقد اتجهت أنظار البلاشفة لقطاع الزراعة. يطلق تروتسكي على ذلك بـ« التراكم البدائي الاشتراكي » وهذا مقارنة بالتراكم الرأسمالي البدائي الذي تحدّث عنه ماركس. أيسر السبل هي « عسكرة الإنتاج » وتحويل الجهات إلى وحدات عسكرية تشكّل مع بعضها مقاطعات عسكرية وخلق « فرق الصِّدام » وهي فرق مختصّة تتلخّص مهامها في تحقيق أهداف اقتصادية في أسرع وقت. أبهرت هذه النظرية ستالين. اعتبر تروتسكي أن « العمل الإجباري مبدأ اشتراكيا » وأنّه على كلّ العمّال « أن يضعوا قدراتهم الجسمية في خدمة الحزب » يقول تروتسكي : « كلّما كان إنتاج العامل أرفع إلاّ وحصل على امتيازات تفوق ما يحصل عليه عامل كسول... علينا أن نشجّع التسابق في ميدان الإنتاج. » مارس لينين وتروتسكي وستالين، اليد في اليد، أشنع أنواع القمع وأرسوا نظاما دكتاتوريا ومارسوا شتّى مظاهر الاضطهاد والإرهاب تجاه الشعب الروسي بما في ذلك عناصره الثورية الأشدّ حماسا. في المؤتمر السادس للسوفياتات المنعقد في سنة 1918 صرّح تروتسكي : « لم يفقه كلّ العمّال السوفييتيين أنّ حكومتنا تعتمد المركزيّة وأنّ القرارات المتّخذة لا تقبل المراجعة وأنّها نهائية. ليعلم الجميع أننا سوف لن نتسامح البتّة مع العمّال الذين لم يفهموا بَعْدُ هذه الحقيقة. سنوقفهم عن العمل ونزيحهم من صفوفنا ونسلّط عليهم أشدّ أنواع القمع والإرهاب ». يَا لحكومة العمّال ! يعتبر تروتسكي مجزرة كرونشتاد التي كان « بطلها » « ضرورة تراجيدية » أي أنّها شرّ لا بدّ منه والحال أنه اعتبر مطالب الجورجيين بالاستقلال من ستالين شرعيّا. في الحقيقة يعتبر المؤرّخون أن تروتسكي هو صاحب الأفكار وأنّ ستالين صاحب التطبيق. فالأوّل هو تروتسكي الفاشل والثاني هو تروتسكي الناجح. عندما طالب العامل Mianikov بضمان حريّة الرأي والتعبير والاعتراف بحق المزارعين بالانتظام في تعاونيات بحريّة ودون ضغط أو ابتزاز لخيراتهم وبالتالي تقريب المسافة بين العمال والمزارعين قام تروتسكي بفصله عن الحزب في سبتمبر 1921 وذلك بالتعاون مع بوخارين خصمه الآخر. التعبير الشائع في أوساط التروتسكيين لنعت نظام ستالين هو « نظام اشتراكي متفسّخ » كقولك « ظلام مضيء ». يقول تروتسكي : « رغم التشويه البيروقراطي الفظيع للثورة الروسية فإن القاعدة الطبقية للاتحاد السوفييتي لا تزال البروليتاريا ». تروتسكي ليس ضدّ الستالينية ولكنّه ضدّ ستالين وستالين ليس ضدّ التروتسكية بما أنّه طبق أفكارها ولكنّه ضدّ تروتسكي خصمه الذي زاحمه على الزعامة بعد وفاة لينين.

VI ستاليـن : جرائـم باسـم العمــّال لازالت قلّة من الأحزاب والمجموعات الصغيرة تحنّ إلى عهد ستالين هذا « الزعيم » الذي « هزم » الفاشية وصنع هيبة الاتحاد السوفييتي. هؤلاء لا يريدون العودة إلى التاريخ الحقيقي ويقدّمون المبرّرات للأعمال الإجرامية لستالين وفي أقصى الحالات يوجّهون له اللّوم. كُتب الكثير عن جرائم ستالين وسوف لن نطيل في عرضها وسنكتفي ببعض المعطيات التاريخية الهامّة ونترك للقارئ الكريم مهمّة تأويل هذه الأحداث.

  • بين سنة 1929 و1932 : تهجير وقتل 18 مليون مزارع محسوبين على الكولاك (المزارعين الأثرياء).
  • 1932-1933 : المجاعة في أوكرانيا : موت ما بين 5 و7 مليون مواطنا وقد كانت أوكرانيا تعتبر مطمورة أوروبا.
  • 1935 : تهجير 1500 مواطن من أصل كوري من Vladivostoch إلى أوزباكستان.
  • 1936-1938 : تحالف الستالينيين مع الفرنكيين في أسبانيا ضدّ الفوضويين وبقية اليساريين.
  • 1937-1938 : إعدام 690 ألف مواطنا رميا بالرصاص.
  • من سبتمبر 1939 إلى مارس 1940 : تهجير 1.7 مليون بولوني.
  • مارس 1940 : مجزرة Katyn وقتل 22 ألف سجين حرب بولوني.
  • 1944 : تهجير 400 ألف تشيشاني إلى شرق سيبيريا.
  • 1944-1947 : موت 3 مليون سجينا اتهموا بالتخاذل أو التعاون مع الجيش الألماني.
  • 1930 : 14 انتفاضة ومظاهرة شعبية ضدّ النظام الستاليني شارك فيها ما يقارب 2.5 مليون مزارعا.
  • 1930-1933 : موت 30 ألف مهجّر.
  • 1932 : بعد إقرار السياسة الزراعيّة الجديدة وقعت مصادرة ما يقارب 50% من المحصول الزراعي وشرائه بأبخس الأسعار.
  • بين جانفي 1930 وجوان 1931 : نظرا لارتفاع نسبة حوادث الشغل وتكرّر حالات تعطّل الآلات الصناعية وقع إيقاف 48 بالمائة من المهندسين وقد حوكم بعضهم بتهمة التهاون والتخريب وأوقف 4500 منهم.
  • 15 نوفمبر 1932 : إقرار قانون الطرد الآلي والحرمان من بطاقة التموين والطرد من المنزل في حالات التغيّب عن العمل.
  • 17 ديسمبر 193 : إقرار وجوبيّة جواز السفر داخل المدن والويل لمن غادر بيته ولم يحمل معه جواز سفره.
  • 1940 : إقرار أسبوع السبع أيام عمل (إلغاء العطلة الأسبوعيّة). كلّ تأخّر عن العمل تتجاوز مدّته 20 دقيقة يعرّض صاحبه إلى 6 أشهر من الأشغال الإجباريّة وكلّ سرقة تعرّض صاحبها إلى ما بين سنة و3 سنوات سجنا.
  • 1930 : وفاة 240 ألف سجينا في المحتشدات التي تشرف عليها G.P.U. أو K.G.B
  • سنة 1932 : ارتفع عدد المساجين إلى 300 ألفا. يقوم هؤلاء بتشييد الطرقات والسكك الحديدية والعمل في المناجم وآبار النفط.
  • سنة 1934 : توحيد نظام المحتشدات في ما يعرف بالـGOULAG الذي ضمّ 965 ألف سجينا في سنة 1935 و2 مليون سجينا سنة 1941.
  • من سنة 1935 إلى سنة 1939 : سجن أكثر من 155 ألف شاب قاصر في محتشدات العمل الإجباري.
  • 1939 : الزجّ بـ 10 آلاف شاب جديد في محتشدات الـGOULAG.
  • عمليات التجريم تطال الجيش الأحمر : تجريم 3 مارشالات من 5 و50 جنرالا من رتبة ثانية من بين 57 و154 قائد فريق عسكري من 186 وإلقاء القبض على ضابط من 6 ضبّاط.
  • 80 بالمائة من مساجين الحرب الروس لدى الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية أي مليونين و270 ألف سجين وقع تحريرهم تعرّضوا إلى محاكمات وبعضهم وقع نفيه لمدة 5 سنوات بتهمة التخاذل أو أجبر على القيام بأعمال شاقة والمساهمة الإجبارية في ما سمّي بإعادة إعمار الوطن إثر الحرب العالمية الثانية.
  • 1948-1952 : بلغ عدد المساجين رقما قياسيا (بين 5 و12 مليون سجينا حسب مختلف المصادر التاريخية). من بين المحتشدات الشهيرة محتشد Kolyma حيث يجبر المساجين على العمل في الغابات والمناجم وبناء السكك الحديدية والسدود الكبرى وقنال Volga-Don .
  • 1948 : إنشاء « محتشدات النظام الخاص » حيث يودع المساجين السياسيّون وقد عرفت انتفاضات عديدة أدّت إلى إزهاق آلاف الأرواح. هذه بعض المحطات التاريخيّة التي نكتفي بذكرها لأنّ الحديث عن ستالين ومحتشداته وعن ملايين الضحايا الذين قََضَوْا رميا بالرّصاص أو من الجوع والبرد في محتشدات العمل الإجباري أو عن المحاكمات التي طالت رفاق الدرب والعمّال والمزارعين والجنود وإطارات الجيش والأدباء والشعراء والمهندسين والشباب القاصر، كل ذلك يستدعي مجلّدات. لقد وضع لينين أسس النظام الشمولي بالتعاون مع تروتسكي وجاء ستالين ليكمل البناء فكان خير خلف للينين وتروتسكي وبذلك أصبح الرّمز الأهم (إلى جانب هتلر) للدكتاتورية والاستبداد الذي فاق في حجمه القياصرة ليبلغ درجات خيالية. فحتى النّقد الذي وجهه خلفه من بعده تغافل عن المسائل الهامة ليحفظ ماء الوجه ويبرّر استمرار هيمنة البلاشفة على الحياة السياسة والاجتماعية.

Documents joints

PDF - 266.4 kio

Commentaires

Navigation

Articles de la rubrique

Soutenir par un don